JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

مجزوءة الوضع البشري " الغير " ثانية باك

  المفهوم الثاني : الغير .

تقديم إشكالي : 

يحيل لفظ * الغير والآخر* في اللغة العربية على الاختلاف و التمايز سواء كان المقصود بذلك الإنسان أو الأشياء. أما في اللغة الفرنسية، فنجد تمييزا بين لفظ الأخر autre الذي يستخدم للدلالة على الاختلاف بين الأشياء أو الناس، وبين لفظ * الغير * autrui  الذي تقتصر دلالته على الآخر البشري .

أما فلسفيا، فنجد أن مفهوم الغير يحمل معنيين متقابلين، بحيث يتحدد حسب معجم لالاند : " بلأنا الآخر" مما يجعله متطابقا متشابها مع الأنا. لكن عند سارتر يأخد الغير معنى : " الأنا الذي ليس أنا " وهو ما يفترض الإختلاف مع الأنا.

- يتأسس مفهوم الغدير إذن على مفارقة تجعل منه، في نفس الوقت، مطابقا للأنا و مخالفا لها، الشيء الذي سنعكس في القضايا و الأطروحات التي ارتبطت بهذا المفهوم في الفكر الفلسفي الحديث و المعاصر بالخصوص. واهم هذه الإشكالات : 

1 - وجود الغير : هل من ضرورة لوجود الغير بالنسبة للأنا ؟ و هل تتمكن الأنا من الوعي بذاتها بمعزل عن الغير أم أن الغير يعد                               شرطا لازما لتحقيق هذا الوعي ؟ 

2 - معرفة الغير : هل تتمكن الأنا من بلوغ معرفة كاملة بحقيقة الغير أم أنه يظل حقيقة تستحيل معرفتها ؟ 

3 - العلاقة مع الغير : كيف تتحدد العلاقة مع الغير ؟ هل تنحصر في الصداقة إذا كان شبيها بالأنا أم تتجاوز هذا الإطار إلى علاقة                                    الصراع و الإقصاء ؟ 

المحور الأول : وجود الغير .

مضمون الإشكالية : 

✓ هل من ضرورة لوجود الغير بالنسبة للأنا ؟ 

✓ هل تتمكن الأنا من تحقيق وعيها بذاتها في استغناء تام عن الغير أم أن هذا الأخير يعد شرطا لازما لتحقيق هذا الوعي.              

المواقف و الأطروحات: 

1 - رونيه ديكارت : إن أهم ناتجة تنبثق عن تجربة الشك هي أن الذات تدرك نفسها بشكل حدسي مباشر و بديهي لا يحتاج إلى استدلال.                             فالإنسان عندما يشرع في عملية التفكير يدرك أنه ذات مفكرة بشكل بديهي يقيني. أما بخصوص الغير يقول                                      ديكارت في كتاب التأملات الميتافيزيقية ما يلي : 

* أنظر من النافذة فأشهد بالمصادفة رجالا يسيرون في الشارع فلا يفوتني أن أقول أني أرى رجالا بعينهم، مع اني لا أرى من النافذة غير قبعات و معاطف قد تكون غطاء لآلات صناعية  تحركها الوالب. لأني أحكم بأنهم أناس، إذا أنا أدرى بمحض ما في ذهني من قوة الحكم ماكنت أحسب أني أراه بعيني * . من خلال هذا المقطع أن وجود الغير لا يرقى إلى درجات البداهة لأن إثبات وجوده تطلب اللجوء إلى استدلالات عقلية، بالتالي فهو يمثل حقيقة استطلاعية لا بديهية، ونتيجة هذا هي أن وجود الغير مجرد احتمال أو افتراض ما دام قابلا للشك، من هنا نستخلص أن وجوده لا يعد ضروريا حتي تحصل الأنا على بذاتها وقد اتضح هذا الأمر في حقيقة " الكوجيتو" باعتبارها حقيقة منبثقة عن وعي حدسي مباشر و مجرد و مستقل.

2 - فريدريك هيجل :

- مع هيجل نجد تجاوزا واضحا التصور الديكارتي الذي يؤمن بأن الأنا تحقق وعيها بذاتها في استقلال تام من الغير.

- هيجل يؤكد على ضرورة وجود الغير حتى تشكل الأنا وعيها بذاتها، وذلك عبر الاعتراف المتبادل بين الأنا و الغير لأن كل ذات ترغب في نزع الاعتراف بها من طرف ذات أخرى إذ لاقيمة كوعي ذاتي منعزل لا يحظى بالرضا من طرف الغير. لكن النتيجة التي تنبثق عن هذا الاعتراف هي دخول الطرفين * وعي الأنا و وعي الغير * في علاقة صراع لا تنتهي إلا باستسلام أحدهما، لتنشأ بينهما ما يسميه هيجل بعلاقة أوجدالية السيد و العبد. هذا الصراع يخلق حالتين مختلفتين: 

• السيد الذي يخاطر و يغامر بكل شيء من أجل نزع اعتراف العبدية.

• العبد الذي يقدم الاعتراف و يستسلم متنزلا عن حريته لصالح السيد.

فالسيد ليس سيدا إلا بوجود العبد و العبد ليس عبدا إلا بوجود السيد، بالتالي وجود الغير ضروري حتى تحقق الأنا وعيها بذاتها.

تركيـــــــــــب : 

يتضح بعد كل هذا بأن وجود الغير قد شكل إشكال مهما في تاريخ الفكر الفلسفي في كل مراحله، و الدليل على ذلك تعدد المواقف و التصورات الفكرية التي حولت مناقشته، فإذا كان التصور ديكارت قد أكد على وجود الغير ثانوي إذ تستطيع الذات أو الأنا تحقيق وعيها بذاتها بمعزل عنه، فإن هيجل أكد على أهميته و ضرورته حتى تحصل الأنا على وعيها بذاتها. لعل الإختلاف بين هذه التصورات يجد تبريره في الطابع المعقد للإشكال ثم في إختلاف المنطلقات الفكرية ناهيك عن الطابع المركب لمفهوم الغير و ماهيته.

المحور الثاني : معرفته الغير.

مضمون الإشكالية: 

✓ كيف تتحدد معرفة الغير ؟ 

✓ هل الغير حقيقة غير قابلة لإدراك المعرفة من طرف الأنا أم أن هذه الأخيرة تتمكن من بلوغ المعرفة بحقيقة الغير .

المواقف و الأطروحات : 

1 - غاستون بيرجي ( استحالات المعرفة ) : يمثل الغير عالما منغلقا عل نفسه بحيث يتعذر على الأنا اقتحامه او سبر أغواره و أعماقه. فالتجربة الذاتية و الباطنية التي يحيها الإنسان تظل تجربة حميمية تتعذر عن الوصف و التعبير أي يستحيل نقلها بشكل كامل إلى الأخرين كما أن الغير لا يستطيع النفاذ إلى العالم الداخلي للأنا و معرفة ما تختزنه من مشاعر لذلك يبقى الإنسان بمثابة تجربة معزولة لا تقبل المعرفة الكاملة مهما بالغت درجة التعاطف أو المشاركة الوجدانية بين الأفراد مثل ما يتجله ذلك في تجربتي الفرح و الألم. بالتالي تبقى الحميمية التي نعيشها الذات مع نفسها عائقا نهائيا أمام كل تواصل مع الغير، هكذا تصير معرفة الغير مستحيلة.

2 - موريس مير لو بونتي ( إمكانية المعرفة ) : يؤكد على معرفة الغير من خلال الاعتراف المتبادل بينه و بين الأنا، أن ينظر كل منهما إلى الأخر كذات تمتلك نفس الخصائص الإنسانية. و يتيح هذا الاعتراف المتبادل بلوغ معرفة بالعالم الباطني للغير من خلال طريقتين : 

• المشاركة الوجدانية أو التعاطف : و هي الدخول مع الغير في علاقة عاطفية و وجدانية تسمح بإدراك ما يحتاج في أعماقه من مشاعر.

• الاستدلال بالمماثلة : يتعلق الأمر هنا بالرجوع إلى التجربة الذاتية للأنا كوسيلة لتحقيق تعاطف مع الغير أو بالتالي فهم تجربته.

تركيب : يتبين أن معرفة الغير تمثل إشكالا فلسفيا مهما في سياق الفلسفة المعاصرة و إشكال أنتجى النظر فيه عن مواقف متباينة حسب طبيعة المنظور المعتمد. كما يدل هذا الإختلاف على طبيعة المركبة للغير باعتباره شابها مختلفا في ذات الوقت، ناهيك عن تركيب الذي يطال حقيقة الإنسان و ماهيته.

المحور الثالث : العلاقة مع الغير . 

المفهوم 2 : الغير 

المحور 3 : العلاقة مع الغير .

✓ هل تتعدد العلاقة مع الغير في الصداقة فقط ؟ 

- إن السؤال المتمثل أمامنا قيد التحليل و المناقشة، يتناول دراسة أحد أهم الإشكالات التي طرحت في تاريخ الفلسفة منذ بدايتها الأولى،      أي منذ الفلسفة اليونانية حتى حدود الفلسفة المعاصرة، و يتعلق الأمر بإشكال العلاقة التي تجمع بين الأنا و الغير. و الدليل على ذلك       هو تعدد المواقف و التصورات التي قاربته . لالاند

- قبل الإجابة عن الإشكال المطروح، يجب أولا و قبل كل شيء تحليل عناصره و أسئلته الأساسية. و لتحليل عناصره لابد من الوقوف    عند صيغته الاستفهامية، حيث تفيد أداة الاستفهام * هل * الإثبات و التصديق من جهة أو النفي و الدحض من جهة ثانية. و هذا ما         يضعنا  امام موقفين متقابلين، موقف يرى أن العلاقة مع الغير تتحدد من زاوية الصداقة و ما يترتب عنها من محبة و فضيلة، و            موقف أخر يعتبر أن الصراع قد يكون شكلا أخر العلاقة مع الغير.

- إن الإجابة عن هذا السؤال المتمثل أمامنا تقتضي بالضرورة الوقوف عند مفاهيمه الأساسية المشكلة لبنيته، لا سينما وأن خطوة             المفهمة تشكل إحدى القدرات التي يراهن عليها الدرس الفلسفي، وهذا ما نجده في تعبير الفيلسوف الفرنسي " جيل دولوز " الذي            اعتبر أن الفلسفة فنا لإبداع المفاهيم. فالسؤال قيد التحليل و المناقشة، يتشكل من مفهوم مركزي يتمثل في " الغير " الذي يتميز في       اللغة العربية على الإختلاف و التمايز سواء كان المقصود بذلك الإنسان أو الأشياء. أما في اللغة الفرنسية فتقتصر دلالته على الآخر       البشري دون الأشياء. و يتحدد فلسفيا بمعنيين متقابلين حيث يشير - حسب معجم  - إلى الأنا الذي ليس أنا و هو ما يفترض الاختلاف     مع الأنا أما بخصوص مفهوم " الصداقة " فيمكن اعتبارها تلك العلاقة الاجتماعية و الإنسانية التي تجمع بين شخصين أو أكثر، و        التي تتأسس على قيمة الحب، الخير، الجمال، المودة.... كما تتميز بتجردها من كل أشكال المنفعة أو المصلحة الذاتية.

- بعد تعريف هذه المفاهيم المركزية يتضح لنا ارتباطها الوثيق بعلاقة تكامل، إذ حسب منطوق السؤال يتبين بالفعل أن الصداقة تعد هي    العلاقة التي تتوجه بها نحو الغير و التي تربط بين الذات داخل المجتمع ككل .

بالرجوع إلى مضمون هذا السؤال، يلاحظ بأن الأطروحة التي تحكمه هي تلك التي ترى غدي الصداقة شكلا العلاقة التي تجمع بين الأنا والغير. لذلك إن شئنا الإجابة عنه سنجد في تاريخ الفلسفة مجموعة من التصورات التي دافعت عن قيمة الصداقة و دعت إلى اعتمادها كعلاقة تربطنا مع الغير، ففي هذا السياق يمكن الاعتقاد على تصور شيخ الفلاسفة أرسطو الذي ينتمي إلى الحقبة اليونانية التي عدت على أهمية علاقة الصداقة بين الناس حتى تتحقق الفضيلة داخل المجتمع فالفيلسوف اليوناني منح الصداقة أهمية كبرى في حياة الإنسان إنهائي نظرة تجلي من تجليات التعاطف مع الأخرين، أو بتعبير " إحدى الحاجات الأشد ضرورة الحياة ". و هو الأمر الذي أكده في مؤلفه " الأخلاق إلى نيقوماخوس "، حيث اعتبر الصداقة الماهية الحقيقية التي تربط الإنسان بالأخرين مهما كان سن هذا الإنسان و مرتبته الاجتماعية. وما يدعم هذا القول بالنسبة لأرسطو هو تأسيس الصداقة على مفهوم " الفضيلة " و الفضيلة قيمة أخلاقية و مدنية، تبنى على محبة الخير و الجمال لذاته أولا ثم للأصدقاء ثانيا، لذلك فهي تدوم و تبقى، بخلاف صداقة المنفعة و المتعة التي تزول بزوال دافعها، فالصداقة إذن في نظر أرسطو كفضيلة، ضرورية و مطلب أساسي للحياة المشتركة، و لو امكن قيام صداقة ضرورية و مطلب أساسي للحياة المشتركة، و لو أمكن قيام صداقة الفضيلة بين الناس جميعا، لما احتاجوا إلى العدالة و القوانين، وفي هذا يقول أرسطو " الصداقة فضيلة، أو هي على الاقل مصحوبة بالفضيلة، وفوق ذلك فهي ضرورية على وجه الإطلاق للحياة، فيغير أصدقاء لا أحد يريد العيش، حتى و لو كان ينعم بجميع التغيرات الأخرى، فالأغنياء و ذو المناصب و أصحاب السلطة العليا بصفة خاصة، يحتاجون فيما يظهر لأصدقاء، إذ ماذا يفيدهم أن ينعموا على هذا النحو بالخيرات، إذ ماحرمو من ملكة إسداء الخير إلى الأصدقاء ، فالصديقان كائنان يسيران متحدان، وبالفعل فإن الإنسان يكون على هذا النحو أقوى على التفكير و العمل ... وفوق ذلك فإن المواطنين لو تعلق بعضهم ببعض برابط الصداقة لم احتاجوا إلى عدالة ".

- إذن فالصداقة - في نظر أرسطو - هي الملاذ الوحيد الذي يمكن الاعتصام به في حالة البؤس و الشدائد المختلفة، فالشاب في حاجة إلى الصداقة لتعصمه من الزلات، والشيخ هو أيضا في حاجة ماسة إليها، حين تضعف قواه و يقول نشاطه، والقوي هو الذي بدوره في حاجة إليها لإتمام عمله ..




الاسمبريد إلكترونيرسالة